Arkiv juni 2006

المقاومة الوطنية والارهاب

معز محي الدين ابو الجدايل

لدى متابعة الاحداث الجارية في العراق وما نسمع في وسائل الاعلام العربية اليومية باستخدام مفاهيم سميت بالمقاومة الوطنية ضد الاحتلال الامريكي في العراق ، ولدى سماع وسائل الاعلام الاخرى والموقف من العمليات الارهابية ، نطرح سؤال لماذا هذه المفارقة الشاسعة في وسائل الاعلام ؟ ومن الخطأ التاريخي والمعيب بان نجيب على هذا السؤال بتلك العبارة المختصرة والمعتادة من قبل سلطات الحاكمة في الدول العربية بحجة تأثير اليهود على الاعلام العالمي مع اننا لا ننكر وجود تأثير من هذا النوع والواقع ان هناك شيء مهم (السلطات الحاكمة) لا تملك اساليب الصراع الحديث ولم تسعى خلال وجودها لبناء وتطوير مؤسساتها لمجابهة المتغيرات الدولية .
فاذا ما عدنا بالتاريخ الى الوراء قليلا واجرينا مقارنة بين عصرنا الحالي والعصور الماضية نجد ان المقاومة عبر التاريخ ، مع تطور المجتمع البشري، اخذت اشكال متعددة ، واسلحة مختلفة، فقد كان الخوف من الفراغ المقبل بنسف الافكار القديمة المعتاد عليها وقبول الافكار الجديدة والتي هي مجهولة بنتائجها، يدفع الناس الى المقاومة للافكار الجديدة ، والتي بدورها تناقض معتقدات المجتمع السائد . ومن ناحية ثانية ان ظاهر الامور لدى الاحداث التاريخية مختلف ، وجوهرها واحد ، نورد مثالا تاريخيا عن مقاومة المجتمعات الاوروبية للافكار القادمة من الثورة الفرنسية ، في البداية كانت حمقاء قامت حروب خاسرة فاضطرت المقاومة باتخاذ شكلا آخر ـ المجابهة بالتغيير للحفاظ على الخصوصية ـ في نهاية المطاف تغلغلت الافكار الرأسمالية بالمجتمع الاوروبي وتحول المجتمع الاقطاعي الى مجتمع رأسمالي مع محافظة هذه المجتمعات على خصائصها الداخلية، أما ما حدث في الولايات المتحدة الامريكية فقد قاوم الهنود الحمر عنصرية ذوي البشرة البيضاء حتى الفناء، ولم يكن باستطاعة الهنود الحمر استيعاب حقيقة الخطر المحدق بها.
ان اختلاف المثالان السابقين في الظاهر ولكن جوهر عملية واحدة ”هي الحفاظ على القيم والمفاهيم السائدة في المجتمع هذا أو ذاك ” لذا فان هذا التغيير لمختلف وجوه الحياة يقودنا الى القول انه يوجد تعريف ثابت لجوهر المقاومة ، كما يوجد اختلاف في الظاهر وهو اسلوب المقاومة وهو بحد ذاته اشارة تعبير عن مدى تطور المجتمع.
في هذا العصر ومع تقدم المجتمع الدولي وبعد ان اصبح للدولة منافس على المسرح الدولي، لم تعد هي اللاعب الوحيد بامتياز وهذا يضعف الدولة كسلطة ذات سيادة ، فهناك مؤسسات من طبيعة اقتصادية ودينية وانمائية واجتماعية ، كالشركات المتعددة الجنسية التي هي شركات تجارية خاصة تتجاوز نشاطاتها الحدود والتقنيات الوطنية ، لها استراتيجيا ت دولية والمنظمات الدولية غير الحكومية، ان هذه المؤسسات تزداد قوة يوما بعد يوم ، تعمل خارج اطار الدولة وتخترق بانشطتها المتعددة مختلف الدول، على حساب سلطة الدولة ومن ناحية اخرى فان التقدم التكنولوجيا المذهل أدى الى خروج العلاقات بين المواطنين الدول عن نطاق الضبط والمراقبة من قبل سلطات الدول، وقد أصبحت الدولة عاجزة عن تلبية متطلبات مواطنيها المتزايدة وبخاصة على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي ولذا نجد ان الدول تسير نحو الانفتاح على بعضها البعض واطلق العلماء على هذا العصر بالعولمة فهي تمر بمرحلتها الرابعة كما صنفها الاكاديمك البرفيسور عبد الزهرة العيفاري
ان تتابع الاحداث ودخول العولمة عصرها الحالي ”الفترة الرابعة” يفرض قيام نظام عالمي جديد ، قادر على ضبط أوضاعه وتنظيم العلاقات في داخله ، وهذا النظام لا ينشأ الا اذا توفرت فيه السياسة الجديدة القادرة على ايجاده ، فالسلطة السياسية الجديدة هي المنظم والضابط للدول ولشؤون المجتمع الدولي الجديد نجده يفرض تغيير كامل في مفاهيم الحياة السابقة، ومنها مسألة الوطن وبالتالي مفهوم المقاومة الوطنية ـ الارهاب.
ففي الحرب العالمية الثانية عندما ظهر الفكر النازي، ظهرت فكرة المقاومة الوطنية المضادة التي انتصرت في نهاية المطاف فاصبحت المقاومة الوطنية : هي حق ابناء الشعب الشرعي في الدفاع المسلح عن الارض والكرامة الوطنية ابان الحرب العالمية الثانية قاوم العالم باجمعه الطموحات النازية والفاشية في السيطرة المباشرة على العالم وبلغت ضحايا هذه الحرب بملايين الناس، وسميت وحتى هذه اللحظة بالمقاومة الشرعية، وبعدها مر المجتمع البشري بنهضة سميت بتلك الفترة بالحركات الثورية ، فقد قاد الاتحاد السوفيتي هذه الحركات التحررية بتلك الفترة وتحت شعار الاشتراكية الماركسية والتي اعتمدت على المرحلة الاولى الا وهي ديكتاتورية البروليتاريا ” القضاء على السلطة السياسية للدولة البرجوازية او الحكومة التابعة للامبريالية العالمية” ومن ثم جاءت الاسباب المباشرة او غير المباشرة لتفاجئ العالم بسقوط الدولة العظمى بساعات معدودة، وامام هذه المتغيرات العالمية نجد نحن شعوب بلدان العالم النامي أنفسنا أمام امبراطورية القطب الواحد تفيض على مجتمعاتنا بامكانياتها الضخمة.
في امر الواقع لدى دراسة الوضع العربي الحالي أمام هذه المتغيرات العالمية نجد ان صالح ”الانظمة العربية” التلاعب بعقول الناس، ونصرح بهذا لفشلها باستغلال مفهوم المقاومة في زمن سابق لتحقيق مصالح شعوبها ” والان تسعى للمحافظة على مفهوم المقاومة الوطنية بشلكه السابق ، وهو مفهوم صحيحا في جوهره ولا يتغيير ”الدفاع عن مصالح المجتمع ” وخاطئ في ظاهره ”الاسلوب الذي تدعو اليه تلك الانظمة” تبث برامج الاعلام العربي عن بطولات ”اسطورية قديمة” بدلا من بناء مؤسسات تستطيع مضاهات المؤسسات الاجنبية، وتقوم بتسمية العمليات الجارية في العراق بالمقاومة الوطنية ضد الاحتلال التي تقتل جندي اجنبي ودعم هذا الشكل من العمليات ، وارهاب الذي ”يقتل المدنيين” وكأن هذه التسمية تحل مشكلة الشعب العراقي!؟، وبقتل الاف الناس كي يثمر عن قتل جندي واحد.
بل ان الانظمة تسعى لحماية مصالحها وليس هدفا بقيام وازدهار للشعب العراقي، بل جر شعوبها نحو حروب مفتوحة الامد بهدف الهروب من متطلبات الحياتية للمجتمع، والمحافظة على سلطاتها وهو بحد ذاته دليل واضح عن عجزها تأمين المتطلبات المتزايدة للمجتمع، الاجتماعية والاقتصادية ، فالغالبية المطلقة من ابناء الدول العربية يعيشون ضمن قهر وفقر من ديكتاتوريات اشد وقعا عليها من المسماة بقوى الاحتلال ، قام النظام العراقي بكل وحشية بقصف ابناء شعبه بالمواد الكيماوية، كثير من ابناء الشعب نتيجة الفقر والقهر وقعوا فريسة سهلة بيد منظمات دينية وبشعاراتها الارهابية وتلك المنظمات بعيدة كل البعد عن الدين، طبعا لا احد يؤيد دخول قوات اجنبية اراضيها كما لا يمكن الحديث عن المقاومة الوطنية بالشكل السابق كما حدث في القرن العشرين فمثلا في العراق ” لولا دخول القوات الاجنبية لم يستطع الشعب العراقي الخلاص من ديكتاتورية قامت لعقود عدة، وعلى سلطة قوية ، ابادت وهجرت كثيرا من ابناء شعبها وما زالت بقايا هذه السلطة تبدي مقاومة ضد ابناء شعبها اكثر من مقاومتها للقوات الاجنبية” يقتل المئات من الناس كي يستطيع ” الارهابيون” قتل جندي اجنبي! انها مهزلة وكمن يحي المومياء.
فالمقاومة الوطنية المتبعة في هذا العصر هي مناهضة العولمة، ليس برفضها كاملة واستخدام العنف، بل برفض سلبياتها واستخدام تقنياتها، ببناء مؤسسات اقتصادية قادرة على تلبية حاجات المجتمع أولا واسلوب المنافسة ثانيا ومثالا على ذلك رفض خصخصة قطاع الدولة الهام، واعطاء القطاع الخاص حقوقه، اما ما نجده عند الزعماء العرب هو قبول السلبيات والبدء بخصخصة قطاعات المهمة في الدولة وتحت شعار القطاع الخاص تقوم على ممارسة نشاطاتها التجارية المربحة لها، وعلى ابناء شعبها الدفاع عن الوطن وبالاساليب العنف.وعدم سماح ببناء مؤسسات وطنية تستطيع منافسة القوة الاقتصادية الجديدة والحاكمة بمصير ابناء شعبنا.

المقامرون …. أو فرسان السياسة العربية

معز محي الدين ابو الجدايل

المقامر أو اللاعب بالاوراق عادة ما يخسر وقد يربح . وكونها مقامرة فالاعب خسران دائما . على ان الخسارة تعتبر لذة المقامرة وهي فعل انعكاسي . الا ان اللذة تحجب عن العين كل واقع فالكارثة او المأساة التي ترافق المقامرين تجعلهم يغرقون في بحر من العظمة وعظمة المقامر تتجلى في اعتقاده الجازم بالربح ”الاكبر” وبذلك هو انسان مريض يقوم وبدون وعي لتصرفاته بدفع نفسه الى الهاوية ، ولا يستطيع الابتعاد عنها.
السياسة هي علم وفن ولها اداتها الاساسية ، تتطلب القوة وحسن استخدامها والدبلوماسية .
على ان كل ذلك له بالضرورة ارتباط القوة بالقوانين المرعية سواء محلية او دولية ، اما السياسة العربية فلا نقول عنها سوى مقامرة . وذلك بما انها سياسية من جانب رجال الدولة ترجمت اعمالها على ارض الواقع بارواح الناس و ثروات البلاد.
ان فقدان احدى ادوات السياسة، تبعد السياسة عن المنهج العلمي للسياسة ببناء الدولة ، ففي مجال قوة الدولة تقسم الى قسمين : القوة الداخلية لا يمكن لأي دولة الاستغناء عن اجهزة الشرطة والامن والقضاء لادارة الدولة وتحقيق مصالح الشعب وتحت نظام الدستور المنبثق عن مدى تطور المجتمع . وللواقع ما نراه في السياسة العربية على عكس ذلك تماما تقوم السلطة السياسية ببناء اجهزة امنية لتحقيق مصالح السلطة الحاكمة بتعزيز القبضة الحديدة وتمارس الاضطهاد على ابناء شعبها تحت شعار ترتيب البيت الداخلي، او تلك العبارة الطنانة بالقضاء على العدو الداخلي وبكل وحشية من احكام عرفية والصاق التهم ”بالخيانة” ومن ناحية ثانية تحلل السلطة السياسية لنفسها التصرف بثروات البلاد ”بنهب ثروات البلاد” في تعزيز السيطرة الداخلية.
ان هذه الخطوة التي تقوم عليها الانظمة السياسية في البلدان العربية هي حجر الزاوية في بناء الهيكل الخاطئ في الدولة ، ان ظاهر الامر وكأن الشعب يؤيد حكومته الديكتاتورية ”مثل مظاهرة الملايين قبل شقوط نظام صدام حسين” والواقع يثبت عكس ذلك لدى سقوط هذا النظام الديكتاتوري.
وتأتي الخطوة الثانية بالمقامرة والتي يعتمد عليها فرسان السياسة الا وهي الدعم الخارجي وذلك عن طريق كسب التأييد الخارجي ودفع الضريبة لكسب القوى الصديقة في العالم فتقوم بالتفريط ثروات بلادها على حساب ابناء الشعب.
وحتى القوة الخارجية في الشطر الثاني التي تتمثل في تأمين الدفاع عن الدولة ولا يكون اساسا إلا بالاعتماد على القوة المسلحة وكل الوسائل المادية التي يفرضها الدفاع عن الارض والشعب، فالرفض المطلق وغير المشروط للعمل العسكري وعدم تجهيز قوى عسكرية قادرة على تأمين سلامة المجتمع ضد الاطماع الاجنبية ، ولا بد من ان يأتي يوم يكون فيه فريسة هذا الطامع، وهذا ايضا ما نراه في السياسة العربية فالقوة العسكرية لم تكن قادرة على صد اي هجوم عدواني وهذا تاريخ مسجل في كل الدول العربية فالانظمة العربية استطاعت ان تقوم بمجازر وحشية ضد ابناء شعبها ولم تستطع ان تحرر شبرا واحدا من أراضيها المحتلة.
ولا اعرف كيف يمكن ان يخادع الشعب عن بلوغ الغاية مع العلم ان حسن استخدام القوة من اجل بلوغ الغاية السياسية هو امر ضروري اساسي وتبلغ أهميته بالقدرة على التغلب، على القوة الخارجية المناوئة لها ، وهذه العلاقة تفرض البراعة والحنكة ويأتي الخداع للعدو الخارجي كوسيلة في خدمة القوة وليس بالعكس احلال الخداع مكان القوة ، لان نجاحات الخداع تبقى مزعزعة وغير ثابتة طالما لا تدعمها القوة، وهذا ما جنيناه من المقامرين العرب في حروبهم مع اسرائيل .
فكل الحروب خاسرة حصلت بعض المفاجآت عبر التاريخ ولكنه مقياس لنتائج المرموقة التي وصلنا اليها نجد ان المأساة اكبر من هذه ”الانتصارات” الحمقاء، ان الانظمة العربية والساسة العرب ، فهم يتحدثون عن الدبلوماسية كما لو أن لهم دبلوماسية، ويمكن القول في الدبلوماسية هي الجمع بين القوة والحكمة وتبتغي الدبلوماسية على التفاوض بغية التوصل الى تسوية وتضع حدا لاستخدام العنف ولا يمكن لدبلوماسية ان تكون بديل القوة وانما ترتدي ثوب القوة وتحجب طابعها العنيف. فالدولة القوية تفرض شروطها وتأتي الاتفاقات في الظاهر على انها نتيجة توافق لا نتيجة غالب ومغلوب وللاسف ما نجده في المقامرين العرب الدبلوماسية في الاعلام المحكوم في تبجيل الزعماء، الا يمكن ان نطرح سؤال؟
كل الزعماء العرب السياسيون وطنيون وعظماء عند وسائل الاعلام الخاصة بهم، ولكن حتى الان لم نكسب غيرالسمعة السيئة في العالم ، ولم تنتج الدول العربية إلا الإرهاب تحت شعارات النضال من اجل الوطن والدين، وهي عبارة عن خداع للشعب ومن اجل حماية مصالح النظام. وتأتي الاخيرة من ادوات السياسة وهي القوة والقانون بالتشديد على ظاهرة القوة في السياسة ولا يعني ان القوة غاية وانما هي وسيلة لتحقيق غاية السياسة ولا بد من وجود قانون وهو ضابط لهذه القوة والاكراه ولكي يعطي السلطة السياسية الشرعية وهذا ما تفقده الانظمة السياسية العربية . فالحاكم المطلق يسن القوانين على انه يفهم اكثر من الحقوقيين واكثر من الاطباء وحتى اكثر من عمال النظافة في تنظيف الشوارع وأكثر ـان جاز القول ـ فهم يفهمون اكثر من العاهرات في ارضاء زبائهن، وهن الاصدق عندما يرفعن تحيا العاهرة الاولى
ونذكر واحدة من اخر نتائج المقامرة الكبرى في السياسة العربية هي ما حصل في العراق . فقد كان النظام السياسي في العراق مغرورا ”بعبقريته” وقدرته . فقامر ببلاده من اجل نزوات القائد الضرورة . هدر دم ابناء شعبه في ام المعارك/ قام بمجازر شنعاء تحت شعار القضاء على العدو الداخلي وهدر ثروات البلاد من طاقات بشرية ومادية ، اعتبر ثروة البلاد ملكا له وفرط هنا وهناك لتقال له كلمة نعم وارضاء غريزته العبقرية , وفي النهاية يحدد الواقع لنا ان جميع الانظمة العربية على هذا المنوال، فمصير هذه الانظمة هي السقوط كما يسقط المقامر في دوامة الفقر المزمن . ويقع افراد اسرته ضحية الفقر. والعجيب بالامر ان المقامرين الاخرين لا يرون مأساة صديقهم ، يسلكون نفس الطريق.
السؤال: هل سيكون مقامرا سياسيا اخر في الميدان ، الجواب بنعم ولكن الطريقة مختلفة في الظاهر والجوهر واحد، الخسارة والدمار ،وهذا التاريخ يسجل بصفحاته دون ان يسأل لماذا وكيف عند المقامرين……!؟
اما عند علماء الرياضيات الخسارة هي سبب حتمي كما عند علماء السياسة فهو امر حتمي وما نأسف عليه هو ان الشعب يعاني من حرب ضروس ضد تاريخه من انظمته المريضة ومن حضارات تفيض بما عندها من جديد!؟