الوقوف على الاطلال

معز محي الدين ابو الجدايل

كثيرا ما نقرا في تاريخنا العربي عن الوقوف على الاطلال ، ولان عاشق كامرئ القيس يبكي على فراق حبيبته فلابد لنا من تقديم التحية له اجلال واكبار لهذا الحب العظيم الذي يحمله العاشق لمحبوبته . ولكن ما ذا ألت بنا هذه الايام لنطرح هذا السؤال ؟و منذ ان تم اعدام صدام حسين الى هذا الوقت ! و لماذا نقف على الاطلال ، مع العلم اننا لانشمت في موت احد بقدر ما نعتبره عقاب لمجرم ؟.
ايريد الاعلام العربي والمدعوم من اغلب الحكومات العربية واحزابها السياسية وهي تنهج نهجا ارهابيا بجميع المقاييس الانسانية في هذا العصران يبكي ابناء شعوبهم عندما يقفون على اطلال البعث الصدامي !؟ ام انهم يريدون الاستمرار باللعب بورقة العاطفة العربية الى ما لا نهاية ؟
. اما من حيث التوقيت الذي صادف صباح عيد الاضحى فلم يقولوا لنا هل راعى الديكتاتوريون مناسبات الاعياد؟ علما ان صدام حسين امر بقتل 6 الالاف عراقي في صباح عيد الفطر في عام 1990 ولم يراعي ” مشاعر المسلمين”. وهل سأل العرب على مشاعر المسلمين حين ذاك !؟ وهل ان مشاعر المسلمين تخص موت شخص واحد فقط لانه ديكتاتور ولا تظهر تلك المشاعر عندما قتل مئات الالاف من المسلمين وغيرهم من خلق الله من الذين يكدحون لايجاد لقمة العيش الكريمة والهنية لهم ولافراد اسرهم .

.
نعم لقد مات صدام وعليه ما عليه من العاقبة التي فرضها عليه رب العباد ولكن لماذا لم يقل الاعلاميون العرب شيئا عن ابناء الشعب العراقي الذين يقتلون بالالاف ؟ . و ماذا عنا ، نحن الذين مازلنا احياء، والموت يحيط بنا وبمستقبل أبنائنا، فجميعنا ضحايا الحكومات الديكتاتورية المتخلفة والمعادية للدين والمتاجرة به. فقسم من شعوبنا عاش وما زال يعيش تحت حكم الديكتاتورية. علما صفة الدكتاتورية على الانظمة العربية نطلقها مجازا لاننا نتكلم هنا عن اشنع الديكتاتوريات في العالم. فديكتاتورياتنا ، لا تبني لاوطن ولا امة عربية ولا امة اسلامية ولم تحرر شبرا واحدا من الاراضي المحتلة لديها . بل سلبت وهدرت جميع اموالنا وثرواتنا وسجنت الانسان المسلم ضمن دائرة الفقر والهروب من مشاكله . وهناك قسم من ابناء شعبنا سمحت له الفرصة للهروب من هذه الانظمة و وقع آخرون ضحية سياساتها. بينما نجد انفسنا ونحن في الغربة وكأننا نحن ضمن دائرة الاتهام بالارهاب وذلك بدمجنا مع حكوماتنا الديكتاتورية. وبهذا اختلط القاتل والضحية .
اقف قليلا على الاطلال حزنا على كل انسان فقد حياته واصبح فريسة لمفترس أوضحية لقاتل. ولكن هذا الوقوف لايجب ان يدفعنا الى القبول بالمهاترات السياسية التي جرى عليها اكثر الاعلام العربي كتداعيات لاعدام صدام. لقد مات هو ولكن مازال يموت الكثير من ابناء شعبنا في العراق والبلدان العربية وليس لدينا من الوقت الطويل للنعي والبكاء، فلكل دولة من دولنا لها مشاكلها المتوجب عليها حلها. فاغلب دولنا مقدمة على خطر اكبر مما تصوره وسائل الاعلام المتخلفة، بعدو لا يتجسد في العدو الخارجي او دولة ما، كما يزاود اغلب السياسيين بشعاراتهم. وانما في عدو لا يرى. كما قال الامام على بن ابي طالب رضي الله عنه في وقت كانت به الفتوحات العربية الاسلامية تمتد والدول تقع تحت تأثير قراراتنا السياسية ” لو كان الفقر رجلا لقتلته” ،فما بالنا نحن وفي هذا العصر تحت التأثيرات الخارجية، ويريد المتاجرون بنا من زعماء حكومات او زعامات دينية ان يهزموا العالم ولكن بزيادة الفقر لابنائهم. اي بشعارات لا تقدم الا مزيدا من ضحايا الارهاب من ابناء شعبنا!؟
لنتذكر جميعنا تاريخنا الحديث. لقد نشأت عدة اجيال ”وما سمي بالجيل الواعي او المؤمن في هذه او تلك الدولة” وفقا لشعارات وهمية من قبل اغلب التنظيمات السياسية وذلك لفترات زمنية طويلة ولكن بدون نتائج ايجابية كالعادة. اننا نعيش في عصر نمت في داخلنا ”امراض” الخوف من العدو الخارجي. وربما هم يعملون ذلك لغرض دفعنا عن التفكير بممارساتهم الديكتاتورية التي هي السبب في الخطر الخارجي فهذا العصرلا يوجد فيه رجال يقلبون التاريخ كما تقلبه لنا وسائل الاعلام المتخلفة.
ففي القرن الماضي شجعت الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة قيام دول ديكتاتورية في بلادنا لتنفيذ مخططاتها،في الاقاليم الاخرى. والان بعد ان اختلفت استراتيجياتها بسقوط الاتحاد السوفيتي ونشوء ظروف عالمية جديدة تحت ظل النظام العالمي الجديد بدأت تتجه نحو تصفية الانظمة في دول اوربا الشرقية واخيرا نحو الغاء بعض الديكتاتوريات في بلدان العالم الثالث.
وهنا نطرح السؤال التالي بعيدا عن الاتهامات بالعمالة، بما قدمته تلك الانظمة لابناء شعوبها خلال العقود الماضية. فاحداث القرون السابقة وبما شهدت من بطولات فردية قد حدثت. الا ان هذا الزمن يشهد ايضا ان الامة العربية لا تملك ذلك الانسان الجبار القادر على قلب التاريخ وانقاذ الامة من الهاوية المحدقة بها. مع ان افكارا من هذا النوع لا تزال موجود في عقول الكثير من الناس المتاثرين بالاعلام العاطفي. فالمجتمع الانساني قد خطا خطوات سريعة، من الصعوبة ان يقوم الفرد الواحد ادراك المستجدات في الساحة الدولية دون الاعتماد على مؤسسات علمية متخصصة ، لان المؤسسات العلمية والحقيقية المبنية في الدولة تراقب و تدير الشؤون الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في الدولة عن كثب، فتخطط وتنفذ مشاريعها مستقلة عن رغبات السلطة السياسية فتفرض عليها سياسات تقضي عليها مصلحة الوطن . اما في ظل انظمتنا فقد تم بناء النسبة العظمى من المؤسسات بحيث تخضع لرغبات الزعماء السياسيين، وبالنتيجة سيطرت على قدرة البلاد من ثروات . نجد اغلب المؤسسات في بلداننا خاصة تضطر في اغلب الاحيان تساهم في المتاجرة بعقول الناس كما تريد ، في المزاودة على ولائها المطلق للحاكم، وبعيدة عن واقعها لتحقيق مصالح النسبة الاكبر في المجتمع، فهل سمع احد منا بمؤسسة اوحزب او نقابة في دولة عربية ما تعقد مؤتمرها بدون اطلاق العنان بالولاء المطلق للحاكم وهو هدفها الاول والاخير المزاودة للحفاظ على المكاسب المعطاة لقياديها !؟ فكل المؤتمرات التي انعقدت لمؤسساتنا تعترض بمنهجها العلمي كما تدعي للنقاط التالية :
* تحية اجلاء واكبار للقائد الخالد (…) بمناسبة تأسيس النقابة او الحزب
* لقد عانينا من صعوبات في تنفيذ المهام السابقة فقد حققنا انجازات في العلاقات الخارجية لنا (… )
* الوضع المالي الصعب بسبب الدفاع عن العزة الوطنية للشعب فالقوى الامبريالية او الخارجية المعتدية لم نستطع تحقيق اهدافها كما نأمل به ولكننا نعدكم ببذل اقصى الجهود بالصمود …….!؟
وسيبقى الوضع على حاله بل للاسوأ،اذا ما استمرت السياسة العامة على هذا المنوال. بحيث تؤدي الى تناقص حصة الفرد من الدخل الوطني، والى زيادة في مشاكله يوما بعد يوم .
ويبقى السؤال يدور!؟ عن الحاكم والوطن وهل هما واحد ام ماذا!؟ وهل سيبقى الفقر والفشل مغلف بالشعارات الصارخة بحيث يضطر الكثير للهروب من الواقع المحتوم عليه، ويكون فريسة سهلة بيد الارهاب وتستغله بعض التنظيمات لتجنده بحجة الشهادة في سبيل الوطن او في سبيل الله!؟
لقد قال الله في كتابه العظيم ” وما اتيتم من العلم الا قليلا ” صدق الله العظيم ، وليكن درسا لنا جمبعا وانعطافا لجميع الزعماء ”الافاضل” العرب اولا بالتخلي قليلا عن طموحاتهم السياسية العظيمة بوقف حرب الاخوة فيما بينهما والتخلي عن التخويف بالعدو الخارجي وليراعي كل منهم مشاعر الشعوب العربية بالحصول على لقمة العيش التي تجعل منه انسان يحترم حقه في الحياة، وليس منقادا خلف الشعارات، وضحية الارهاب، واعطاء المؤسسات دفعا حقيقيا تجاه بناء وطنها لا بالاحتفالات الرسمية بالتأسيس اوشعارات تجديد البيعة او الارقام الخيالية ببناء الوطن وانما بالفعل الحقيقي الذي ينعكس على ابناء شعبه، لتعود اخلاق شعبنا التي اوصى بها الرسول (ص) .